الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَلِبَاسُ الْمَرْأَةِ الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا: حَلاَلٌ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ قَوْمٌ لَهُنَّ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِيٍّ الْمَرْوَزِيِّ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ " أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ ابْنَ عُمَرَ عَنْ الْحَرِيرِ فَقَالَ لَهَا ابْنُ عُمَرَ: مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ ". وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ كَعْبٍ أَبِي ذُبْيَانَ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ يَقُولُ " أَلاَ لاَ تُلْبِسُوا نِسَاءَكُمْ الْحَرِيرَ فَإِنَّ مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ لأَبْنَتِهِ " لاَ تَلْبَسِي الذَّهَبَ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْك حَرَّ اللَّهَبِ ". وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مُبَارَكٍ، هُوَ ابْنُ فَاضِلَةَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ الذَّهَبَ لِلنِّسَاءِ وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَعْنِي النِّسَاءَ أَهْلَكَهُنَّ الأَحْمَرَانِ الذَّهَبُ وَالزَّعْفَرَانُ وَهَذَا مُرْسَلٌ لاَ حُجَّةَ فِيهِ وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عَائِشَةَ قُلاَبَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ مُلَوَّنَيْنِ بِذَهَبٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تُلْقِيَهُمَا وَتَجْعَلَ قُلاَبَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ وَتُصَفِّرَهُمَا بِالزَّعْفَرَانِ وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَالْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَجَرِيرٍ كُلِّهِمْ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ رِبْعِيٍّ بْنِ خِرَاشٍ عَنْ امْرَأَتِهِ عَنْ أُخْتِ حُذَيْفَةَ قَالَتْ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ أَمَا لَكُنَّ فِي الْفِضَّةِ مَا تَحَلَّيْنَ، أَمَا إنَّهُ لَيْسَ مِنْ امْرَأَةٍ تَلْبَسُ ذَهَبًا تُظْهِرُهُ إِلاَّ عُذِّبَتْ بِهِ وَهَذَا عَنْ امْرَأَةِ رِبْعِيٍّ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ وَالْحَنَفِيِّينَ الآخِذِينَ بِرِوَايَةِ امْرَأَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ أُمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَحَرَّمُوا بِهِ الْحَلاَلَ أَنْ يَقُولَ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَإِلَّا فَهُمْ مُتَنَاقِضُونَ. وَبِخَبَرٍ فِيهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ وَهُوَ مِثْلُهُ أَوْ أَسْقَطُ مِنْهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ قَالَتْ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ وَخَوَاتِمَ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لِي عليه الصلاة والسلام: أَتُحِبِّينَ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ وَخَوَاتِمَ مِنْ نَارٍ قَالَتْ: لاَ، قَالَ: فَانْزَعِي هَذَيْنِ، أَتَعْجَزُ إحْدَاكُنَّ أَنْ تَتَّخِذَ حَلْقَتَيْنِ أَوْ تُومَتَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ، ثُمَّ تُلَطِّخَهُمَا بِعَبِيرٍ، أَوْ وَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ. وَخَبَرٍ آخَرَ فِيهِ: مَحْمُودُ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ عَنْ شَهْرٍ: أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ حَدَّثَتْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَقَلَّدَتْ قِلاَدَةً مِنْ ذَهَبٍ قُلِّدَتْ فِي عُنُقِهَا مِثْلُهَا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ جَعَلَتْ فِي أُذُنِهَا خَرْصًا مِنْ ذَهَبٍ جَعَلَهُ اللَّهُ فِي أُذُنِهَا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَمَحْمُودُ بْنُ عَمْرٍو ضَعِيفٌ وَآخَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ عَلَيْهَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: سِوَارَانِ مِنْ نَارٍ فَقَالَتْ: مَا تَرَى فِي طَوْقٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: طَوْقٌ مِنْ نَارٍ قَالَتْ: فَمَا تَرَى فِي قُرْطَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ: قُرْطَانِ مِنْ نَارٍ وَأَبُو زَيْدٍ مَجْهُولٌ وَبِخَبَرٍ صَحِيحٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَيْهَا مَسَكَتَيْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلاَ أُخْبِرُك بِمَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا لَوْ نَزَعْتِ هَذَا وَجَعَلْتِ مَسَكَتَيْنِ مِنْ وَرِقٍ، ثُمَّ صَفَّرْتِهِمَا بِزَعْفَرَانٍ كَانَتَا حَسَنَتَيْنِ. وهذا الخبر حُجَّةٌ لَنَا، لأََنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهَا عَنْ مَسَكَتَيْ الذَّهَبِ، إنَّمَا فِيهِ: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام اخْتَارَ لَهَا غَيْرَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهَذَا. وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ هُوَ الْقَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ أُسَيْدَ بْنِ أَبِي أُسَيْدَ الْبَرَّادِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُحَلِّقَ جَبِينَهُ حَلْقَةً مِنْ نَارٍ فَلْيُحَلِّقْهُ حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَوِّقَ جَبِينَهُ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَلْيُطَوِّقْهُ طَوْقًا مِنْ ذَهَبٍ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَوِّرَ جَبِينَهُ بِسِوَارٍ مِنْ نَارٍ فَلْيُسَوِّرْهُ سِوَارًا مِنْ ذَهَبٍ وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالْفِضَّةِ فَالْعَبُوا بِهَا. قال أبو محمد: هَذَا مُجْمَلٌ يَجِبُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ الذَّهَبَ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حَلاَلٌ لأَِنَاثِهَا. لأََنَّهُ أَقَلُّ مَعَانٍ مِنْهُ وَمُسْتَثْنًى بَعْضُ مَا فِيهِ وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَيَانٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا عُشَانَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْنَعُ أَهْلَهُ الْحِلْيَةَ وَالْحَرِيرَ، وَيَقُولُ: إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ حِلْيَةَ الْجَنَّةِ وَحَرِيرَهَا فَلاَ تَلْبَسُوهُمَا فِي الدُّنْيَا. قال أبو محمد: أَبُو عُشَانَةَ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالنَّقْلِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ عَامًّا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ يَخُصُّهُ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْحَرِيرَ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حَلاَلٌ لأَِنَاثِهَا. وَحَدِيثٌ آخَرُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ نَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ نَا أُبَيٌّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي زَيْدٌ، هُوَ ابْنُ سَلاَمٍ عَنْ أَبِي سَلاَمٍ هُوَ مَمْطُورٌ الْحَبَشِيُّ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ هُوَ عَمْرُو بْنُ مَرْثَدٍ قَالَ: إنَّ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: جَاءَتْ ابْنَةُ هُبَيْرَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَدِهَا فَتَخٌ قَالَ مُعَاذٌ: كَذَا فِي كِتَابِ أَبِي أَيْ خَوَاتِمُ كِبَارٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْرِبُ يَدَيْهَا فَدَخَلَتْ عَلَى فَاطِمَةَ تَشْكُو ذَلِكَ إلَيْهَا، فَنَزَعَتْ فَاطِمَةُ سِلْسِلَةً مِنْ ذَهَبٍ فِي عُنُقِهَا، فَقَالَتْ: هَذِهِ أَهْدَاهَا أَبُو حَسَنٍ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالسِّلْسِلَةُ فِي يَدِهَا، فَقَالَ: أَيَسُرُّكِ أَنْ تَقُولَ النَّاسُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَفِي يَدِكِ سِلْسِلَةٌ مِنْ نَارٍ ثُمَّ خَرَجَ وَلَمْ يَقْعُدْ، فَأَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ بِالسِّلْسِلَةِ إلَى السُّوقِ فَبَاعَتْهَا وَاشْتَرَتْ بِثَمَنِهَا غُلاَمًا وَذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا: فَأَعْتَقَتْهُ فَحُدِّثَ بِذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّى فَاطِمَةَ مِنْ النَّارِ. قال أبو محمد: أَمَّا ضَرْبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْ بِنْتِ هُبَيْرَةَ فَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام إنَّمَا ضَرَبَهَا مِنْ أَجْلِ الْخَوَاتِمِ، وَلاَ فِيهِ أَيْضًا: أَنَّ تِلْكَ الْخَوَاتِمَ كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ. وَمَنْ زَادَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فِي الْخَبَرِ فَقَدْ كَذَبَ بِلاَ شَكٍّ، وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ رَاوِي الْخَبَرِ، وَهَذَا حَرَامٌ بَحْتٌ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عليه الصلاة والسلام ضَرْبُ يَدَيْهَا لأََنَّهَا أَبْرَزَتْ عَنْ ذِرَاعَيْهَا مَا لاَ يَحِلُّ لَهَا إبْرَازُهُ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ عليه الصلاة والسلام أَعْلَمُ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ أَيَسُرُّكِ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَفِي يَدِكِ سِلْسِلَةٌ مِنْ نَارٍ فَظَاهِرُ اللَّفْظِ الَّذِي لَيْسَ يُفْهَمُ مِنْهُ سِوَاهُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام إنَّمَا أَنْكَرَ إمْسَاكَهَا إيَّاهَا بِيَدِهَا، لَيْسَ فِي لَفْظِ الْخَبَرِ نَصٌّ بِغَيْرِ هَذَا، وَلاَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَاهَا عَنْ لِبَاسِهَا، وَلاَ عَنْ تَمَلُّكِهَا، هَذَا لاَ شَكَّ فِيهِ. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام عَلِمَ أَنَّهَا لَمْ تُزَكِّهَا وَكَانَتْ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لأََيِّ وَجْهٍ أَنْكَرَ كَوْنَ السِّلْسِلَةِ فِي يَدِهَا رضي الله عنها إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ تَحْرِيمُ لِبَاسِهَا لَهَا، بَلْ فِيهِ نَصَّا: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَبَاحَ لَهَا مِلْكَهَا يَقِينًا لاَ شَكَّ فِيهِ، لأََنَّهُ جَوَّزَ بَيْعَهَا لِلسِّلْسِلَةِ، وَجَوَّزَ لِلْمُشْتَرِي لَهَا مِنْهَا شِرَاؤُهَا، وَأَمَّا إمْسَاكُهَا بِالْيَدِ الَّذِي فِي هَذَا الْخَبَرِ إنْكَارُهُ فَقَدْ نُسِخَ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ، لأَِيجَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ فِي الذَّهَبِ وَإِبَاحَتِهِ عليه الصلاة والسلام بَيْعَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَإِبَاحَتِهِ عليه الصلاة والسلام بَيْعَ قِلاَدَةِ الذَّهَبِ الَّتِي أُصِيبَتْ بِخَيْبَرَ بَعْدَ أَنْ أَمَرَ بِنَزْعِ الْخَرَزِ عَنْهَا، وَبَيْعَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلَمْ يُحَرِّمْ بَيْعَ الْقِلاَدَةِ الَّتِي فِيهَا الذَّهَبُ، وَلاَ ابْتِيَاعَهَا، وَلاَ أَمَرَ بِكَسْرِهَا. وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ وَإِبَاحَةَ بَيْعِهِ بِالذَّهَبِ مِثْلاً بِمِثْلٍ بَاقٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَمْ يُنْسَخْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام إذْ بَلَغَهُ بَيْعُ فَاطِمَةَ رضي الله عنها السِّلْسِلَةَ الذَّهَبَ وَابْتِيَاعَهَا بِثَمَنِهَا غُلاَمًا فَأَعْتَقَتْهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَ فَاطِمَةَ مِنْ النَّارِ. فَاَلَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ، فَهُوَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ النَّارِ حَتَّى فَرْجِهِ بِفَرْجِهِ. فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْقَذَهَا مِنْ النَّارِ بِعِتْقِهَا لِلْغُلاَمِ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ إنَّمَا أَنْقَذَهَا مِنْ النَّارِ بِبَيْعِهَا السِّلْسِلَةَ فَقَدْ قَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَقَالَ مَا لاَ دَلِيلَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلاَ برهان عِنْدَهُ بِصِحَّتِهِ، وَمَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ مِنْهُ نَصٌّ، وَلاَ دَلِيلٌ إِلاَّ بِالظَّنِّ الَّذِي هُوَ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. وَقَدْ جَاءَ فِي كَرَاهَةِ مَسِّ حُلِيِّ الذَّهَبِ أَثَرٌ صَحِيحٌ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُفَيْلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ قَدِمَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِلْيَةٌ مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ أَهْدَاهَا لَهُ فِيهَا خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ قَالَتْ: فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُودٍ مُعْرِضًا أَوْ بِبَعْضِ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ دَعَا أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ ابْنَةَ زَيْنَبَ فَقَالَ: تَحَلَّيْ بِهَذَا يَا بُنَيَّةُ. فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَرِهَ مَسَّ خَاتَمِ الذَّهَبِ فَلَعَلَّهُ كَرِهَهُ لِفَاطِمَةَ أَيْضًا، وَمَعَ ذَلِكَ حَلَّاهُ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ. قال أبو محمد: وَالْحَاكِمُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ هُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَيَزِيدُ، هُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ وَمُعْتَمِرٌ، هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ وَبِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالُوا كُلُّهُمْ :، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ اللَّهَ أَحَلَّ لأَِنَاثِ أُمَّتِي الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ وَحَرَّمَهُ عَلَى ذُكُورِهَا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَعَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيِّ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرِ، وَحَمَّادِ بْنِ مَسْعَدَةَ كُلِّهِمْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادِهِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ اقْتَصَرُوا عَلَى ذِكْرِ الْحَرِيرِ فَقَطْ إِلاَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ: الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَمَعْمَرٍ، وَكِلاَهُمَا عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ بِإِسْنَادِهِ وَذَكَرَ الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ وَهُوَ أَثَرٌ صَحِيحٌ؛ لأََنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي هِنْدٍ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ رَوَى عَنْهُ نَافِعٌ وَمُوسَى بْنُ مَيْسَرَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا يَعْقُوبُ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: إنَّ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ حَدَّثَنِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ، وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ، أَوْ الزَّعْفَرَانُ، مِنْ الثِّيَابِ، وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ مُعَصْفَرٍ، أَوْ حِذَاءٍ، أَوْ حُلِيٍّ، أَوْ سَرَاوِيلَ، أَوْ قَمِيصٍ، أَوْ خُفٍّ فَعَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا جَمِيعَ الْحُلِيَّ، وَلَوْ كَانَ الذَّهَبُ حَرَامًا عَلَيْهِنَّ لَبَيَّنَهُ عليه الصلاة والسلام بِلاَ شَكٍّ، فَإِذْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى مَنْعِهِ، فَهَذَا حَلاَلٌ لَهُنَّ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَبِهَذَا تَقُولُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَقَتَادَةَ، قَالَ قَتَادَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيِّ، وَقَالَ حَمَّادٌ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ وَسَّاج، كِلاَهُمَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا سَأَلاَهُ عَنْ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ فَقَالَ: يُكْرَهَانِ لِلرِّجَالِ، وَلاَ يُكْرَهَانِ لِلنِّسَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ الْبَزَّارِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: رَأَى حُذَيْفَةُ صِبْيَانًا عَلَيْهِمْ قُمُصُ حَرِيرٍ فَنَزَعَهُ عَنْ الْغِلْمَانِ، وَأَمَرَ بِنَزْعِهِ عَنْهُمْ، وَتَرَكَهُ عَلَى الْجَوَارِي. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِ. وَالتَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ، وَاللُّؤْلُؤِ، وَالْيَاقُوتِ، وَالزُّمُرُّدِ: حَلَالٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلَا نَخُصُّ شَيْئًا إلَّا آنِيَةُ الْفِضَّةِ فَقَطْ، فَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، عَلَى خَبَرِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الصَّلَاةِ " لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ:
وَإِذَا شَجَرَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ: بَعَثَ الْحَاكِمُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ، وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا عَنْ حَالِ الظَّالِمِ مِنْهُمَا، وَيَنْهَيَا إلَى الْحَاكِمِ مَا وَقَفَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، لِيَأْخُذَ الْحَقَّ مِمَّنْ هُوَ قَبْلَهُ، وَيَأْخُذَ عَلَى يَدَيْ الظَّالِمِ، وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يُفَرِّقَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، لاَ بِخُلْعٍ، وَلاَ بِغَيْرِهِ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: قال أبو محمد: الأَهْلُ الْقَرَابَةُ: هُمْ مِنْ الأَبِ وَالْأُمِّ وَالأَهْلُ أَيْضًا: الْمَوَالِي، كَمَا رُوِّينَا فِي حَدِيثِ أَبِي طَيْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: فإن قيل: قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قلنا: نَعَمْ، وَإِنَّمَا رَدَّ عَزَّ وَجَلَّ هَذَا الصُّلْحَ إلَى اخْتِيَارِ الزَّوْجَيْنِ، لاَ إلَى غَيْرِهِمَا، وَعَلَيْهِمَا، وَلاَ يُعْرَفُ فِي اللُّغَةِ، وَلاَ فِي الشَّرِيعَةِ: أَصْلَحْت بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَيْ طَلَّقْتهَا عَلَيْهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَهُمَا أَنْ يُفَرِّقَا: كَمَا رُوِّينَا أَنَّ عُثْمَانَ بَعَثَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ حَكَمَيْنِ بَيْنَ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَامْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَقِيلَ لَهُمَا: إنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا فَرَّقْتُمَا. وَهَذَا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ، لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ إِلاَّ مُنْقَطِعًا. رُوِّينَاهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَصَحَّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ: عَلَيْكُمَا إنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا فَرَّقْتُمَا، وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا جَمَعْتُمَا. وَصَحَّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَعَنْ رَبِيعَةَ وَشُرَيْحٍ، وَرُوِيَ عَنْ طَاوُوس وَالنَّخَعِيِّ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا، إِلاَّ ابْنَ الْمُغَلِّسِ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يُفَرِّقَا، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذُرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُرَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكَشِّيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: لَهُمَا يَعْنِي الْحَكَمَيْنِ أَنْ يُصْلِحَا، وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يُفَرِّقَا وبه إلى عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ شَيْبَانَ، هُوَ ابْنُ فَرُّوخَ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّ إنْسَانًا قَالَ لَهُ: أَيُفَرِّقُ الْحَكَمَانِ قَالَ عَطَاءٌ: لاَ، إِلاَّ أَنْ يَجْعَلَ الزَّوْجَانِ ذَلِكَ بِأَيْدِيهِمَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْمُغَلِّسِ. وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ التَّفْرِيقَ إلَى الْحَاكِمِ بِمَا يُنْهِيهِ إلَيْهِ الْحَكَمَانِ قال أبو محمد: لَيْسَ فِي الآيَةِ، وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ: أَنَّ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يُفَرِّقَا، وَلاَ أَنَّ ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:
أَحْكَامُ النَّفَقَات 1926 - مَسْأَلَةٌ: وَيُنْفِقُ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ مِنْ حِينِ يَعْقِدُ نِكَاحَهَا دُعِيَ إلَى الْبِنَاءِ أَوْ لَمْ يُدْعَ وَلَوْ أَنَّهَا فِي الْمَهْدِ نَاشِزًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ نَاشِزٍ، غَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ فَقِيرَةً، ذَاتَ أَبٍ كَانَتْ أَوْ يَتِيمَةً، بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً عَلَى قَدْرِ مَالِهِ. فَالْمُوسِرُ: خُبْزُ الْحَوَارِيِّ، وَاللَّحْمُ، وَفَاكِهَةُ الْوَقْتِ عَلَى حَسَبِ مِقْدَارِهِ وَالْمُتَوَسِّطُ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ، وَالْمُقِلُّ أَيْضًا عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِ. برهان ذَلِكَ: مَا قَدْ ذَكَرْنَا بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النِّسَاءِ: وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. وَهَذَا يُوجِبُ لَهُنَّ النَّفَقَةَ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ. . وَقَالَ قَوْمٌ: لاَ نَفَقَةَ لِلْمَرْأَةِ إِلاَّ حَيْثُ تُدْعَى إلَى الْبِنَاءِ بِهَا. وَهَذَا قَوْلٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ أَرَادَ اسْتِثْنَاءَ الصَّغِيرَةِ وَالنَّاشِزِ لَمَا أَغْفَلَ ذَلِكَ حَتَّى يُبَيِّنَهُ لَهُ غَيْرُهُ، حَاشَ لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ نَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ أَنْ اُنْظُرُوا مَنْ طَالَتْ غِيبَتُهُ أَنْ يَبْعَثُوا نَفَقَةً أَوْ يَرْجِعُوا أَوْ يُفَارِقُوا فَإِنْ فَارَقَ فَإِنَّ عَلَيْهِ نَفَقَةَ مَا فَارَقَ مِنْ يَوْمٍ غَابَ ". قال أبو محمد: وَلَمْ يَخُصَّ عُمَرُ نَاشِزًا مِنْ غَيْرِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ سَأَلْت الْحَكَمَ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَاضِبَةً هَلْ لَهَا نَفَقَةٌ قَالَ: نَعَمْ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلصَّغِيرَةِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا. قال أبو محمد: وَمَا نَعْلَمُ لِعُمَرَ فِي هَذَا مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَلاَ يُحْفَظُ مَنْعُ النَّاشِزِ مِنْ النَّفَقَةِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ رُوِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: النَّفَقَةُ بِإِزَاءِ الْجِمَاعِ، فَإِذَا مَنَعَتْ الْجِمَاعَ مُنِعَتْ النَّفَقَةُ. قال أبو محمد: وَهَذِهِ حُجَّةٌ أَفْقَرُ إلَى مَا يُصَحِّحُهَا مِمَّا رَامُوا تَصْحِيحَهَا بِهِ، وَقَدْ كَذَبُوا فِي ذَلِكَ، مَا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ إِلاَّ بِإِزَاءِ الزَّوْجِيَّةِ، فَإِذَا وُجِدَتْ الزَّوْجِيَّةُ فَالنَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَاجِبَتَانِ. قال أبو محمد: وَالْعَجَبُ كُلُّهُ اسْتِحْلاَلُهُمْ ظُلْمَ النَّاشِزِ فِي مَنْعِهَا حَقَّهَا مِنْ أَجْلِ ظُلْمِهَا لِلزَّوْجِ فِي مَنْعِ حَقِّهِ، وَهَذَا هُوَ الظُّلْمُ بِعَيْنِهِ، وَالْبَاطِلُ صُرَاحًا. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ لاَ يُجِيزُونَ لِمَنْ ظَلَمَهُ إنْسَانٌ فَأَخَذَ لَهُ مَالاً فَقَدَرَ عَلَى الأَنْتِصَافِ مِنْ مَالٍ يَجِدُهُ لِظَالِمِهِ أَنْ يَنْتَصِفَ، وَرَأَوْا مَنْعَ النَّاشِزِ النَّفَقَةَ، وَالْكِسْوَةَ، وَلاَ يُدْرَى لِمَاذَا وَقَدْ تَنَاقَضُوا فِي حُجَّتِهِمْ الْمَذْكُورَةِ فَرَأَوْا النَّفَقَةَ لِلْمَرِيضَةِ الَّتِي لاَ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا، فَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ: إنَّ النَّفَقَةَ بِإِزَاءِ الْجِمَاعِ. قال أبو محمد: وَيَكْسُو الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عَلَى قَدْرِ مَالِهِ: فَالْمُوسِرُ يُؤْمَرُ بِأَنْ يَكْسُوهَا الْخَزَّ وَمَا أَشْبَهَهُ. وَالْمُتَوَسِّطُ: جَيِّدَ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالْمُقِلُّ عَلَى قَدْرِهِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَأْكَلِ النَّاسِ وَمَلاَبِسِهِمْ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أرنا عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ هُوَ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أرنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: سُئِلَ الزُّهْرِيُّ عَنْ لِبَاسِ النِّسَاءِ الْحَرِيرَ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ " أَنَّهُ رَأَى عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدَ حَرِيرٍ ". وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَفِي هَذَا الْخَبَرِ أَنْ يَلْبَسَ الْإِنْسَانُ عَلَى حَسَبِ مَالِهِ، وَنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ. وَلَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى خَادِمٍ لِزَوْجَتِهِ وَلَوْ أَنَّهُ ابْنُ الْخَلِيفَةِ وَهِيَ بِنْتُ خَلِيفَةٍ. إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ لَهَا بِمَنْ يَأْتِيهَا بِالطَّعَامِ وَالْمَاءِ، مُهَيَّأً مُمْكِنًا لِلأَكْلِ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً. وَبِمَنْ يَكْفِيهَا جَمِيعَ الْعَمَلِ مِنْ الْكَنْسِ وَالْفَرْشِ. وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِكِسْوَتِهَا كَذَلِكَ، لأََنَّ هَذِهِ صِفَةُ الرِّزْقِ وَالْكِسْوَةِ. وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ قَطُّ بِإِيجَابِ نَفَقَةِ خَادِمِهَا عَلَيْهِ، فَهُوَ ظُلْمٌ وَجَوْرٌ. وَأَمَّا مَنْ كَلَّفَهَا الْعَجِينَ وَالطَّبْخَ، وَلَمْ يُكَلِّفْهَا حِيَاكَةَ كِسْوَتِهَا وَخِيَاطَتِهَا فَقَدْ تَنَاقَضَ، وَظَهَرَ خَطَؤُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِنَّمَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ مُيَاوَمَةً، لأََنَّهُ هُوَ رِزْقُهَا، فَإِنْ تَعَدَّى مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَأَخَّرَ عَنْهَا الْغَدَاءَ، أَوْ الْعَشَاءَ أُدِّبَ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنْ أَعْطَاهَا أَكْثَرَ، فَإِنْ مَاتَتْ، أَوْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا، أَوْ أَتَمَّتْ عِدَّتَهَا وَعِنْدَهَا فَضْلُ يَوْمٍ أَوْ غَدَاءٍ أَوْ عَشَاءٌ: قُضِيَ عَلَيْهَا بِرَدِّهِ إلَيْهِ. وَهُوَ فِي الْمَيْتَةِ مِنْ رَأْسِ مَالِهَا؛ لأََنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَقِّهَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا جَعْلُهُ عِنْدَهَا عِدَّةً لِوَقْتِ مَجِيءِ اسْتِحْقَاقِهَا إيَّاهُ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةٌ فَهُوَ عِنْدَهَا أَمَانَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: وَأَمَّا الْكِسْوَةُ فَإِنَّهَا إذَا وَجَبَتْ لَهَا فَهِيَ حَقُّهَا، وَإِذْ هُوَ حَقُّهَا فَهُوَ لَهَا، فَسَوَاءٌ مَاتَتْ إثْرَ ذَلِكَ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا، أَوْ أَتَمَّتْ عِدَّتَهَا، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا: لَيْسَ عَلَيْهَا رَدُّهَا، لأََنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهَا رَدُّهَا لَكَانَتْ غَيْرَ مَالِكَةٍ لَهَا حِينَ تَجِبُ لَهَا وَهَذَا بَاطِلٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْلَقَتْ ثِيَابَهَا أَوْ أَصَابَتْهَا وَلَيْسَتْ مِنْ مَالِهَا فَهِيَ لَهَا، فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي يُعْهَدُ فِي مِثْلِهِ إخْلاَقُ تِلْكَ الْكِسْوَةِ فَهِيَ لَهَا، وَيُقْضَى لَهَا عَلَيْهِ بِأُخْرَى فَلَوْ امْتَهَنَتْهَا ضِرَارًا أَوْ فَسَادًا حَتَّى أُخْلِقَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يُعْهَدُ فِيهِ إخْلاَقُ مِثْلِهَا فَلاَ شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ، إنَّمَا عَلَيْهِ رِزْقُهَا وَكِسْوَتُهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْمَعْرُوفُ هُوَ الَّذِي قلنا. وَأَمَّا الْوِطَاءُ وَالْغِطَاءُ فَبِخِلاَفِ ذَلِكَ، لأََنَّ عَلَيْهِ إسْكَانَهَا، فَإِذْ عَلَيْهِ إسْكَانُهَا فَعَلَيْهِ مِنْ الْفُرُشِ وَالْغِطَاءِ مَا يَكُونُ دَافِعًا لِضَرَرِ الأَرْضِ عَنْ السَّاكِنِ فَهُوَ لَهُ، لأََنَّ ذَلِكَ لاَ يُسَمَّى كِسْوَتَهَا وَبَيَّنَ ذَلِكَ الْخَبَرَ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ قَبْلُ مُسْنَدًا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَلَّا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَهُ. فَنُسِبَ عليه السلام الْفُرُشُ إلَى الزَّوْجِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ لَهَا بِهِ، وَهُوَ لِلزَّوْجِ لاَ تَمْلِكُهُ هِيَ، وَمَنْ قَضَى لَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ نَفَقَةِ الْمُيَاوَمَةِ فَقَدْ قَضَى بِالظُّلْمِ الَّذِي لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَنَسْأَلُهُ عَنْ أَنْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا، فَأَيُّ حَدٍّ حُدَّ مِنْ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ: كُلِّفَ الْبُرْهَانُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ، أَوْ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ يَجِدُهُ. فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَيَحْبِسُ لأََهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ. رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ كُلَّ سَنَةٍ ثَمَانِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ. قلنا: لَيْسَ فِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّهُ كَانَ يَدْفَعُهُ إلَيْهِنَّ مُقَدَّمًا فَهُوَ جَائِزٌ، وَجَائِزٌ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُنَّ مُيَاوَمَةً، أَوْ مُشَاهَرَةً وَنَحْنُ لَمْ نَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ إنْ طَابَتْ نَفْسُهُ بِهِ، فَإِنْ فَعَلَ الْحَاكِمُ ذَلِكَ فَتَلِفَ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ مِنْهَا، أَوْ بِعُدْوَانٍ. فَهِيَ ضَامِنَةٌ لَهُ، لأََنَّهَا أَخَذَتْ مَا لَيْسَ حَقًّا لَهَا، وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لاَ يُحِلُّ مَالَ أَحَدٍ لِغَيْرِهِ، وَلاَ يُسْقِطُ حَقَّ ذِي حَقٍّ، فَلَوْ تَطَوَّعَ هُوَ بِذَلِكَ دُونَ قَضَاءِ قَاضٍ فَتَلِفَ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ مِنْهَا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا ثَانِيَةً، وَكِسْوَتُهَا ثَانِيَةً كَذَلِكَ، لأََنَّهَا لَمْ تَتَعَدَّ، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهَا وَحَقُّهَا بَاقٍ قَبْلَهُ، إذْ لَمْ يُعْطِهِ إيَّاهَا بَعْدُ.
وَيَلْزَمُهُ إسْكَانُهَا عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلاَ يَلْزَمُهُ لَهَا حُلِيٌّ، وَلاَ طِيبٌ، لأََنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُوجِبْهُمَا عَلَيْهِ، وَلاَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وآله وسلم. وَمَنْ مَنَعَ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا فَسَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا. أَوْ حَاضِرًا هُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، يُؤْخَذُ مِنْهُ أَبَدًا وَيَقْضِي لَهَا بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ يُضْرَبُ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ، لأََنَّهُ حَقٌّ لَهَا فَهُوَ دَيْنٌ قِبَلَهُ. فَمَنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، فَسَوَاءٌ قَلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَوْ كَثُرَ: الْوَاجِبُ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِمَا قَدَرَ، وَيُسْقَطُ عَنْهُ مَا لاَ يَقْدِرُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ، وَلَمْ يَجِبْ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ قُضِيَ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ يُوسَرَ، وَلاَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ أَنْفَقَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ مُدَّةَ عُسْرِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَقَوْله تَعَالَى:
وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَ يَمْنَعُهَا النَّفَقَةَ أَوْ الْكِسْوَةَ أَوْ الصَّدَاقَ ظُلْمًا، أَوْ لأََنَّهُ فَقِيرٌ لاَ يَقْدِرُ لَمْ يَجُزْ لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، لأََنَّهُ وَإِنْ ظَلَمَ فَلاَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَمْنَعَهُ حَقًّا لَهُ قَبْلَهَا، إنَّمَا لَهَا أَنْ تَنْتَصِفَ مِنْ مَالِهِ إنْ وَجَدَتْهُ لَهُ بِمِقْدَارِ حَقِّهَا: كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ إذْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مُمْسِكٌ لاَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي أَفَآخُذُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ. رُوِّينَاهُ هَكَذَا مِنْ لَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، قَالَ :، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ :، حَدَّثَنَا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَإِنْ عَجَزَ الزَّوْجُ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَامْرَأَتُهُ غَنِيَّةٌ كُلِّفَتْ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ، وَلاَ تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ أَيْسَرَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَنَفَقَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ لاَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لِلْحُرِّ وَلَدٌ أَوْ وَالِدٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى وَلَدِهِ، أَوْ وَالِدِهِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَا فَقِيرَيْنِ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: قَالَ عَلِيٌّ: الزَّوْجَةُ وَارِثَةٌ فَعَلَيْهَا نَفَقَتُهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. قال أبو محمد: وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ عَلَى الْعَبْدِ كَمَا هِيَ عَلَى الْحُرِّ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذْ أَوْجَبَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَقَةَ النِّسَاءِ وَكِسْوَتَهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، لَمْ يَخُصَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ. وَإِذْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}. وَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى حُرًّا مِنْ عَبْدٍ: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَفِيمَا ذَكَرْنَا خِلاَفٌ نَذْكُرُ مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ: فِي الْمَرْأَةِ الْبَالِغَةِ الْمَرِيضَةِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا أَنَّهُ لاَ نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَرَضُهَا يَمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا فَإِنْ بَنَى بِهَا وَهِيَ كَذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، وَلاَ يُنْفِقَ عَلَيْهَا حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى جِمَاعِهَا فَإِنْ أَمْسَكَهَا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا. قَالَ: فَإِنْ مَرِضَتْ عِنْدَهُ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ بِهَا صَحِيحَةً فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا. قَالَ: فَإِنْ بَنَى بِالرَّتْقَاءِ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا. وَهَذِهِ مُنَاقَضَاتٌ طَرِيفَةٌ فِي السَّخَافَةِ جِدًّا. وَقَالَ: إنْ سُجِنَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ حِيلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا كَرْهًا فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ عُمَرَ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ مُدَّةَ مَغِيبِهِ وَإِنْ طَلَّقَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ الْمَرْأَةِ تُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ الَّذِي لَهَا وَتَتَسَلَّفُ قَالَ: نَرَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ زَوْجُهَا بِالسَّدَادِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ وَضَعَ لَهَا مَا يُصْلِحُهَا. قَالَ يُونُسُ: وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ. قال أبو محمد: هَذَا الْحَقُّ، لأََنَّهُ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَنْفَقَ فَهُوَ مُدَّعٍ لِسُقُوطِ حَقٍّ لَهَا ثَبَتَ قَبْلَهُ، فَالْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ، وَالْيَمِينُ عَلَيْهَا. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: مَا أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا فَلاَ شَيْءَ لَهَا فِيهِ، وَمَا اسْتَدَانَتْ فَهُوَ عَلَى الزَّوْجِ وَهَذَا تَقْسِيمٌ لاَ يَقُومُ بِصِحَّتِهِ برهان. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لاَ نَفَقَةَ لِلْمَرْأَةِ إِلاَّ إذَا شَكَتْ إلَى الْجِيرَانِ، فَمِنْ حِينِ تَشْكُو تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَيُؤْخَذُ بِهَا الزَّوْجُ وَهَذَا تَحْدِيدٌ فَاسِدٌ. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لَهُ: إنَّ زَوْجِي غَابَ، وَإِنِّي اسْتَدَنْت دِينَارًا فَأَنْفَقْتُهَا عَلَى نَفْسِي فَقَالَ لَهَا شُرَيْحٌ: أَكَانَ أَمَرَ بِذَلِكَ قَالَتْ: لاَ، قَالَ: فَاقْضِي دَيْنَك. وقال أبو حنيفة: لاَ نَفَقَةَ لِلْمَرْأَةِ إِلاَّ أَنْ يَفْرِضَهَا لَهَا السُّلْطَانُ. قال أبو محمد: قَدْ فَرَضَهَا لَهَا سُلْطَانُ السَّلاَطِينِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَطَلَ رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ. وقال مالك: مَنْ غَابَ ثُمَّ قَدُمَ فَطَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ بِالنَّفَقَةِ، فَإِنْ أَقَامَتْ لَهَا بَيِّنَةً بِأَنَّهَا أَقَرَّ لَهَا بِأَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْ إلَيْهَا بِشَيْءٍ قَضَى لَهَا، وَإِلَّا فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا إِلاَّ مِنْ يَوْمِ تَرْفَعُهُ. قال أبو محمد: وَهَذِهِ أَيْضًا قَضِيَّةٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتهَا، وَلاَ يُدْرَى بِمَاذَا سَقَطَ حَقُّهَا الْوَاجِبُ لَهَا بِدَعْوَاهُ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّفَقَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حُكْمِهِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُسْجَنُ فَلاَ يُطَلِّقُ، وَلاَ يُكَلَّفُ طَلاَقًا. وَهَذَا قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ قَاضِي الْبَصْرَةِ. قال أبو محمد: لَيْتَ شِعْرِي لِمَاذَا يُسْجَنُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ أَوْ يُطَلِّقَ: كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " كَتَبَ عُمَرُ إلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ ادَّعَوْا فُلاَنًا وَفُلاَنًا نَاسًا قَدْ انْقَطَعُوا عَنْ الْمَدِينَةِ وَرَحَلُوا عَنْهَا: إمَّا أَنْ يَرْجِعُوا إلَى نِسَائِهِمْ، وَأَمَّا أَنْ يَبْعَثُوا بِنَفَقَةٍ إلَيْهِنَّ، وَأَمَّا أَنْ يُطَلِّقُوا وَيَبْعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: إذَا لَمْ يَجِدْ الرَّجُلُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ أُجْبِرَ عَلَى طَلاَقِهَا. قال أبو محمد: فَنَظَرْنَا فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا أَبْقَتْ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى، تَقُولُ امْرَأَتُكَ: أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ طَلِّقْنِي. قال أبو محمد: فَنَظَرْنَا فِي هَذَا الْخَبَرِ فَوَجَدْنَا هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . برهان ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ نَا أَبِي ثنا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، تَقُولُ الْمَرْأَةُ: إمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي. وَأَمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي " وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ، هَذَا مِنْ كَيْسِ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَبَطَلَ الأَحْتِجَاجُ بِهَذَا الْخَبَرِ. فَإِنْ قَالُوا: هُوَ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَهُوَ قَوْلُ صَاحِبَيْنِ، عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قلنا: أَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَإِنَّهُ إنَّمَا حَكَى قَوْلَ الْمَرْأَةِ، وَلَمْ يَقُلْ: إنَّ هَذَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي الْحُكْمِ. وَأَمَّا عُمَرُ، فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لأََنَّهُ لَمْ يُخَاطِبْ بِذَلِكَ إِلاَّ أَغْنِيَاءَ قَادِرِينَ عَلَى النَّفَقَةِ، وَلَيْسَ فِي خَبَرِ عُمَرَ ذِكْرُ حُكْمِ الْمُعْسِرِ بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ إسْقَاطُ طَلَبِ الْمَرْأَةِ لِلنَّفَقَةِ إذَا أُعْسِرَ بِهَا الزَّوْجُ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُطَلِّقُهَا عَلَيْهِ الْحَاكِمُ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا: فَقَالَ مَالِكٌ: يُؤَجَّلُ فِي عَدَمِ النَّفَقَةِ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ، فَإِنْ انْقَضَى الأَجَلُ وَهِيَ حَائِضٌ أُخِّرَ حَتَّى تَطْهُرَ، وَفِي الصَّدَاقِ عَامَيْنِ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا عَلَيْهِ الْحَاكِمُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، فَإِنْ أَيْسَرَ فِي الْعِدَّةِ فَلَهُ ارْتِجَاعُهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يُؤَجَّلُ إِلاَّ يَوْمًا وَاحِدًا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ: وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ نَحْوَ هَذَا جَمَاعَةً: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّجُلِ لاَ يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، قُلْتُ: سَنَةٌ قَالَ: نَعَمْ، سَنَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ لِزَوْجِ امْرَأَةٍ شَكَتْ إلَيْهِ أَنَّهُ لاَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا: اضْرِبُوا لَهُ أَجَلَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا إلَى ذَلِكَ الأَجَلِ فَرِّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا قَالَ: أَبُو الزِّنَادِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ فِي الأَجَلِ وَالتَّفْرِيقِ مِثْلَ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلاً شَكَا إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ أَنْكَحَ ابْنَتَهُ رَجُلاً لاَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا، فَأَرْسَلَ إلَى الزَّوْجِ فَأَتَى فَقَالَ: أَنْكَحَنِي وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِي شَيْءٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنْكَحْتَهُ وَأَنْتَ تَعْرِفُ، فَمَا الَّذِي أَصْنَعُ، اذْهَبْ بِأَهْلِك. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: " مَنْ تَزَوَّجَ وَهُوَ غَنِيٌّ ثُمَّ احْتَاجَ فَلَمْ يَجِدْ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا " وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: إنَّ مَنْ أَدْرَكْتُ كَانُوا يَقُولُونَ: إذَا لَمْ يُنْفِقْ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، قِيلَ لِمَالِكٍ: قَدْ كَانَتْ الصَّحَابَةُ يُعْسَرُونَ وَيَحْتَاجُونَ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ النَّاسُ الْيَوْمَ كَذَلِكَ، إنَّمَا تَزَوَّجَتْهُ رَجَاءً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالاَ جَمِيعًا: إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. قال أبو محمد: لَمْ نَجِدْ لأََهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ حُجَّةً أَصْلاً، إِلاَّ تَعَلُّقَهُمْ بِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: إنَّهُ سُنَّةٌ. قال أبو محمد: قَدْ صَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَوْلاَنِ، كَمَا أَوْرَدْنَا أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ عَلَى مُفَارَقَتِهَا، وَالآخَرُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ، فَأَيُّهُمَا السُّنَّةُ، وَأَيُّهُمَا كَانَ السُّنَّةُ، فَالآخَرُ خِلاَفَ السُّنَّةِ، بِلاَ شَكٍّ، وَلَمْ يَقُلْ سَعِيدٌ: إنَّهَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَتَّى لَوْ قَالَهُ لَكَانَ مُرْسَلاً لاَ حُجَّةَ فِيهِ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِلاَ شَكٍّ أَنَّهُ سُنَّةٌ مِنْ دُونِهِ عليه الصلاة والسلام. وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا رُوِّينَا مِنْ فِعْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الَّذِي هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَنْ يَحْتَجُّ بِقَوْلِ سَعِيدٍ هَذَا وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ فِيمَا يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِقَوْلِ سَعِيدٍ: إنَّهُ سُنَّةٌ، وَهُمْ لاَ يَلْتَفِتُونَ مَا حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو " أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَضَى فِي فِدَاءِ وَلَدِ الأَمَةِ الْغَارَّةِ بِأَنَّهَا حُرَّةُ الْمِلَّةِ، أَوْ السُّنَّةُ كُلُّ رَأْسٍ رَأْسَيْنِ ". وَلاَ يَلْتَفِتُونَ مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: " لاَ تَلْبِسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا ". وَالصَّحِيحُ الثَّابِتُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدٍ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ " صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جِنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ ". وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أرنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أرنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّهُ قَالَ: السُّنَّةُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يُقْرَأَ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مُخَافَتَةً ثُمَّ يُكَبِّرُ وَالتَّسْلِيمُ عِنْدَ الآخِرَةِ. فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَرَى قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي قَضِيَّةٍ اُخْتُلِفَ عَنْهُ فِيهَا هِيَ سُنَّةٌ حُجَّةٌ، وَلاَ يَرَى قَوْلَ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ هِيَ السُّنَّةُ حُجَّةٌ وَهُوَ مِثْلُ سَعِيدٍ فِي إدْرَاكِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، فَكَيْفَ بِعُثْمَانَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لاَ يُدْرِكُ سَعِيدٌ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِهِمْ أَبَدًا، وَكُلُّهُمْ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ مِنْ سَعِيدٍ بِلاَ شَكٍّ وَهَذَا تَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي تَأْجِيلِ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ، فَسَاقِطَةٌ جِدًّا، لأََنَّهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَعَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ، وَكِلاَهُمَا لاَ شَيْءَ. وَمِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ قَوْلُ مَالِكٍ لِلَّذِي احْتَجَّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَحْتَاجُونَ وَيُعَسِّرُونَ بِقَوْلِهِ: لَيْسَ النَّاسُ الْيَوْمَ كَذَلِكَ، إنَّمَا تَزَوَّجَتْهُ رَجَاءً " فَجَمَعَ هَذَا الْقَوْلُ وُجُوهًا مِنْ الْخَطَأِ: مِنْهَا مُخَالَفَةُ أَمْرِ الصَّحَابَةِ وَمَا مَضَوْا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ الأَعْتِرَافَ بِأَنَّ النَّاسَ لَيْسُوا كَذَلِكَ الْيَوْمِ، فَكَيْفُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُجِيزَ حُكْمًا يُقِرُّ بِأَنَّ النَّاسَ فِيهِ عَلَى خِلاَفِ مَا مَضَى عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ، ثُمَّ مَنْ لَهُ بِذَلِكَ، وَمِنْ أَيْنَ عَرَفَ تَبَدُّلَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَمَا يَعْلَمُ أَحَدٌ فِيهَا أَنَّ النَّاسَ عَلَى خِلاَفِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ عَصْرَ الصَّحَابَةِ، لأََنَّ كُلَّ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّمَا تَزَوَّجَتْهُ الْمَرْأَةُ لِلْجِمَاعِ وَالنَّفَقَةِ بِلاَ شَكٍّ، فَمَا النَّاسُ الْيَوْمَ إِلاَّ كَذَلِكَ. ثُمَّ قَوْلُهُ " إنَّمَا تَزَوَّجَتْهُ رَجَاءً " فَيُقَالُ لَهُ: فَكَانَ مَاذَا وَأَيُّ شَيْءٍ فِي هَذَا مِمَّا يُحِيلُ حُكْمَ مَا مَضَى عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ، رضي الله عنهم، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّونَ عَلَيْهِمْ بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَهِيَ أَنْ قَالُوا: إذَا كُلِّفْتُمُوهَا صَبْرَ شَهْرٍ، فَلاَ سَبِيلَ إلَى عَيْشِ شَهْرٍ بِلاَ أَكْلٍ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ تَكْلِيفِهَا الصَّبْرَ أَبَدًا. قال أبو محمد: وَهَذَا اعْتِرَاضٌ صَحِيحٌ، إِلاَّ أَنَّهُ يُقَالُ أَيْضًا لِلشَّافِعِيِّ: إذَا طَلَّقْتُمُوهَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لاَ صَبْرَ عَنْ الأَكْلِ، فَأَنْتُمْ تُكَلِّفُونَهَا الْعِدَّةَ وَهِيَ رُبَّمَا كَانَتْ أَشْهُرًا فَقَدْ كَلَّفْتُمُوهَا الصَّبْرَ بِلاَ نَفَقَةٍ مُدَّةً لاَ يُعَاشُ فِيهَا بِلاَ أَكْلٍ، وَلاَ فَرْقَ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا عَلَى أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، لاَ عَلَيْنَا بِأَنْ قَالُوا: قَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ مَنْ عَنَّ عَنْ امْرَأَتِهِ وَبَيَّنَهَا بِضَرَرِ فَقْدِ الْجِمَاعِ، فَضَرَرُ فَقْدِ النَّفَقَةِ أَشَدُّ فَقَالَ لَهُمْ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: قَدْ اتَّفَقْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى أَنَّهُ إنْ وَطِئَهَا مَرَّةً ثُمَّ عَنَّ عَنْهَا أَنَّهُ لاَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَيَلْزَمُكُمْ أَنْ لاَ تُفَرِّقُوا بَيْنَ مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَأَكْثَرَ ثُمَّ أُعْسِرَ بِنَفَقَتِهَا فَيَلْزَمُكُمْ أَنْ لاَ تُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا. قال أبو محمد: كِلاَ الطَّائِفَتَيْنِ تَرَكَتْ قِيَاسَهَا الْفَاسِدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قال أبو محمد: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَقَوْلِنَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَاهُ جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ وَاجِمًا سَاكِنًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ فَقُمْتُ إلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا وَقَامَ عُمَرُ إلَى حَفْصَةَ يُجَأْ عُنُقَهَا، كِلاَهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَقُلْنَ: وَاَللَّهِ لاَ نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا أَبَدًا مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ عليه الصلاة والسلام شَهْرًا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قال أبو محمد: إنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذَا لِمَا فِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رضي الله عنهما مِنْ ضَرْبِهِمَا ابْنَتَيْهِمَا، إذْ سَأَلَتَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَقَةً لاَ يَجِدُهَا، وَإِذْ ضَرَبَ أَبُو بَكْرٍ امْرَأَتَهُ، إذْ سَأَلَتْهُ نَفَقَةً لاَ يَجِدُهَا. وَمِنْ الْمُحَالِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَضْرِبَا طَالِبَةَ حَقٍّ، وَمِثْلُ هَذَا لَوْ وَجَدَهُ الْمُخَالِفُونَ لَنَا لِعِظَمِ تَسَلُّطِهِمْ بِهِ وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نَحْتَجُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَوَاهُ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، لَمْ يَقُلْ فِيهِ: أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَأَلْتُ عَطَاءً عَمَّنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَصْلُحُ امْرَأَتَهُ مِنْ النَّفَقَةِ فَقَالَ: لَيْسَ لَهَا إِلاَّ مَا وَجَدْتَ، لَيْسَ لَهَا إِلاَّ مَا وَجَدْتَ، لَيْسَ لَهَا أَنْ يُطَلِّقَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ "، أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَعْجَزُ عَنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ قَالَ: تُوَاسِيه تَتَّقِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَتَصْبِرُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا مَا اسْتَطَاعَ ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ رَجُلٍ لاَ يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ، يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا قَالَ: يَسْتَأْنِي بِهِ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَتَلاَ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا. قَالَ مَعْمَرٌ: وَبَلَغَنِي عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِثْلَ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ سِوَاهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي الْمَرْأَةِ يُعْسِرُ زَوْجُهَا بِنَفَقَتِهَا قَالَ: هِيَ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ، وَلاَ تَأْخُذُ بِقَوْلِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا. قال أبو محمد: برهان صِحَّةِ قَوْلِنَا: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ تَعَالَى وَيُنْفِقُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ عَلَى مَمَالِيكِهِمَا مِنْ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ، أَنْ يُطْعِمَهُ شِبَعَهُ مِمَّا يَأْكُلُهُ أَهْلُ بَلَدِهِ وَيَكْسُوَهُ مِمَّا يَطْرُدُ عَنْهُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ، وَلاَ يَكُونُ بِهِ مُثْلَةٌ بَيْنَ النَّاسِ، لَكِنْ مِمَّا يُلْبَسُ مِثْلَ ذَلِكَ الْمَكْسُوِّ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مِمَّا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلاَةُ، وَيَسْتُرُ الْعَوْرَةَ. وَفُرِضَ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُطْعِمَهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلَوْ لُقْمَةً وَأَنْ يَكْسُوَهُ مِمَّا يَلْبِسُ وَلَوْ فِي الْعِيدِ وَيُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ أَبَى، أَوْ أَعْسَرَ: بِيعَ مِنْ مَالِهِ مَا يُنْفِقُ بِهِ عَلَى مَنْ ذَكَرْنَا فِي الْإِبَايَةِ وَأَمَّا فِي الْعُسْرِ: فَيُبَاعُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَالأَمَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ بِأَيْدِيهِمَا عَمَلٌ يَكُونُ لَهُ أُجْرَةٌ يَقُومُ مِنْهَا مُؤْنَتُهُ، فَإِنَّهُ يُؤَاجِرُ حِينَئِذٍ، وَلاَ يُبَاعُ، وَلاَ تُعْتَقُ أُمُّ الْوَلَدِ مِنْ عَدَمِ النَّفَقَةِ، لَكِنْ يُجْبَرُ كَمَا. قلنا إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ كُلِّفَتْ مَا يُكَلَّفُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ. برهان ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبِسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي حَزْرَةَ الْقَاصِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّ أَبَا الْيُسْرِ قَالَ لَهُ: إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الرَّقِيقِ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ. قَالَ: أَبُو الْيُسْرِ " فَكَانَ أَنْ أَعْطَيْتُهُ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَسَنَاتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ " فَهَذَا أَبُو الْيُسْرِ يَرَى هَذَا الأَمْرَ فَرْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أرنا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ الأَشَجِّ حَدَّثَهُ عَنْ الْعَجْلاَنِ مَوْلَى فَاطِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ، وَلاَ يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا يُطِيقُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْحَوْضِيُّ نَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَلْيُؤَاكِلْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ؛ أَوْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ، فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلاَجَهُ. قال أبو محمد: هَذِهِ الأَحَادِيثُ تَجْمَعُ مَا قلنا، وَقَدْ صَحَّ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُثْلَةِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ إنْ غَابَ أَوْ أَبَى بِيعَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا بَيْعُ الْمَمْلُوكِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ مَالٌ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَيْهِ، وَلاَ كَانَ بِيَدِ الْعَبْدِ عَمَلٌ يُؤَاجَرُ بِهِ، أَوْ مُؤَاجَرَةُ الْمَمْلُوكِ إنْ كَانَ بِيَدِهِ عَمَلٌ تَقُومُ مِنْهُ نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ، فَلَمَّا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ أَبَا طَيْبَةَ كَانَ لِمَوَالِيهِ عَلَيْهِ خِرَاجٌ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ أَمَرَهُمْ أَنْ يُخْفُوا عَنْهُ مِنْ خِرَاجِهِ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ قَالَ: لاَ، قَالَ: مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلأََهْلِكَ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا يَقُولُ فِيمَنْ بَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ. قال أبو محمد: كُلُّ مَا رَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فَقَدْ سَمِعَهُ أَبُو الزُّبَيْرِ مِنْ جَابِرٍ كَمَا، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْعُقَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: " قَدِمْتُ عَلَى أَبِي الزُّبَيْرِ فَدَفَعَ إلَيَّ كِتَابَيْنِ فَسَأَلَتْهُ كُلَّ هَذَا سَمِعْته مِنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: مِنْهُ مَا سَمِعْتُ، وَمِنْهُ مَا حُدِّثْتُ، فَقُلْتُ: أَعْلِمْ لِي عَلَى كُلِّ مَا سَمِعْت مِنْهُ فَأَعْلِمْ لِي عَلَى هَذَا الَّذِي عِنْدِي ". وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: لِمَ بِعْتُمْ الْعَبْدَ إذَا أَعْسَرَ السَّيِّدُ بِنَفَقَتِهِ، أَوْ بِنَفَقَةِ أَهْلِهِ، أَوْ بِنَفَقَةِ نَفْسِهِ وَلَمْ تُطَلِّقُوا الزَّوْجَةَ، وَلَمْ تَعْتِقُوا أُمَّ الْوَلَدِ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ قلنا: حَقُّ مَنْ لَهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَاجِبٌ فِي مَالِهِ وَعَبْدُهُ، وَأَمَتُهُ، مَالٌ مِنْ مَالِهِ فَيُبَاعَانِ فِي كُلِّ حَقٍّ عَلَيْهِ لِيُعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُجْبَرُ أَيْضًا عَلَى نَفَقَةِ حَيَوَانِهِ كُلِّهِ أَوْ تَسْرِيحِهِ لِلرَّعْيِ إنْ كَانَ يَعِيشُ مِنْ الْمَرْعَى إنْ أَبَى بِيعَ عَلَيْهِ كُلُّ ذَلِكَ. برهان ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: كَتَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إلَى مُعَاوِيَةَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قال أبو محمد: فَإِضَاعَةُ الْمَالِ حَرَامٌ وَإِثْمٌ، وَعُدْوَانٌ، بِلاَ خِلاَفٍ، وَمَنْعُ الْمَرْءِ حَيَوَانُهُ مِمَّا فِيهِ مَعَاشُهُ، أَوْ إصْلاَحُهُ إضَاعَةٌ لِمَالِهِ، فَالْوَاجِبُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وقال أبو حنيفة: لاَ يُبَاعُ عَلَيْهِ حَيَوَانُهُ، لَكِنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْمَرُ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِ فَقَطْ، وَلاَ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ. قال أبو محمد: وَهَذَا ضَلاَلٌ ظَاهِرٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلَّدِيهِ بِضَلاَلٍ آخَرَ قَالَ: لاَ يُجْبَرُ عَلَى حِفْظِ مَالِهِ إذَا أَرَادَ إضَاعَتَهُ، كَمَا لاَ يُجْبَرُ عَلَى سَقْيِ نَخْلِهِ قال أبو محمد: وَهَذَا عَجَبٌ آخَرُ، بَلْ يُجْبَرُ عَلَى سَقْيِ النَّخْلِ إنْ كَانَ فِي تَرْكِ سَقْيِهِ هَلاَكُ النَّخْلِ، وَكَذَلِكَ فِي الزَّرْعِ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: قال أبو محمد: فَمَنْعُ الْحَيَوَانِ مَا لاَ مَعَاشَ لَهُ إِلاَّ بِهِ مِنْ عَلَفٍ أَوْ رَعْيٍ، وَتَرْكُ سَقْيِ شَجَرِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ حَتَّى يَهْلَكَا بِنَصِّ اللَّهِ تَعَالَى فَسَادٌ فِي الأَرْضِ وَإِهْلاَكٌ لِلْحَرْثِ وَالنَّسْلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لاَ يُحِبُّ هَذَا الْعَمَلَ، فَمَنْ أَضَلَّ مِمَّنْ يَنْصُرُ هَذِهِ الأَقْوَالَ الْفَاسِدَةَ الْعَائِدَةَ بِالْفَسَادِ الَّذِي لاَ يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى. فإن قيل: فَأَنْتُمْ لاَ تُجْبِرُونَ أَحَدًا عَلَى زَرْعِ أَرْضِهِ إذَا لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ قلنا: إنَّمَا نَتْرُكُهُ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ مَعَاشٌ غَيْرُهُ يُغْنِي عَنْ زَرْعِهَا وَهَذَا بِلاَ شَكٍّ صَلاَحٌ لِلأَرْضِ وَإِحْمَامٌ لَهَا. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غِنًى عَنْ زَرْعِهَا، فَإِنَّمَا يُجْبِرُهُ عَلَى زَرْعِهَا إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ عَلَى إعْطَائِهَا بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَلاَ نَتْرُكُهُ يَبْقَى عَالَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِإِضَاعَتِهِ لِمَالِهِ، وَمَعْصِيَتِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَسْتَعِينُ.
|